RSS

القطار 2

جلست في شرفتي انتظر قدومه للبيت وتزينت كأميرة تنتظر فارسها في شرفة القصر وإذا به آت من بعيد يمشي بتأني وهواده، يشق طريقه إلىً بين العامة يلقي بالتحية على القريب والبعيد وقد علا جبينه شموخ الملوك والامراء وتواضع العلماء والزهاد.حتى وصل إلي البيت فرفع جبينه ليلقى عليّ التحية وقد ضمني بعينيه وأرسل قبلة في الهواء احمررت خجلا على اثرها ودخلت مسرعه الى امى اخبرها بقدومه ... فدق الجرس وفتح والدى.. نظرت اليه من خلف الستارورأيته وقد جلس بأدب ووقار ودار بينهما الحوار ... في البداية بدا مضطربا لا يجد للبداية طريق فبدأ والدي الكلام وسأله عن حاله وماذا يفعل في حياته ؟؟ فأجاب بتأني بعد عميق تفكير إنه طالب في كلية الهندسه لكنه يعتمد على ذاته في كل شيء حتي انه يعمل ليتكفل دون والده بالمصاريف ثم مالبث ان اطلق للسانه العنان وركب حصان اللباقة بلا لجام ووالدي يستمع إليه في اهتمام ويحثه على الاستمرار ورفع حاجز الكلفة وعم الضحك والانسجام وانا انظر اليه بفخر من خلف الستار حتى أن كلمة رائع لم تكن كافية لوصفه فقد كان خلابا أنيقا وغشت الأوصاف ذهني بالضباب وقد توقفت أنفاسي بعد أن رمقني بنظرة خاطفة ضحكت وأنا اهمس لأمي قائلة هذا هو من اختاره قلبي وصدّق على اختياره عقلي، هذا هو من ارغب في ان اكمل بجواره كل عمري، هاهو يجلس مع ابي رجلا واثق من ذاته قادر على الحوار بروية وعقل واع.. آآهـ يا امي انه حقا فارس احلامي. وهنا استوقفتني أمي وقد راعها ماوجدت مني من افتتان به وسألتني هل استطيع الانتظار سنتين حتى يكمل الفارس المغوار دراسته وهل سأتحمل بعدها فترة التجنيد فأجبت وقد شعرت بنبرة تهكم في صوتها.... نعم يا أمي سأنتظره مهما طالت السنين. وانتبهت لصوت أبي وهو يقول له في جدية وحزم ..... إذن المشوار أمامك طويل وإنهاء دراستك بتفوق ستكون البداية ....وبعدها نستطيع أن نلتقي من جديد ونتعرف على رجل قد وفي بما وعد به... وحينها سأضع يميني بيمنك ونقرأ الفاتحة وإلى ان يحدث هذا فأنا اأتمنك على درتي الغالية كأخت لك ترعاها وتحافظ على سمعتها وأرجو الا تعرضها لكلمة من احد قريب كان او غريب؛ هكذا تبقى مصانه لأجلك ان وفيت وعدك وصافحه بود وحنان بعد ان قال له اهلا بك إبنا في اسرتنا الصغيرة. في البداية قلقت من حوار ابي ووصيته له ولكني فهمت ان هذه الجملة بمثابة رسالة تنبيه بألا نلتقي سرا وان هذا سيكون دافعا اكبر له ليكمل دراسته دون رسوب او تقصير وقد كان ما اراد لأبي فالتزمنا بعدم اللقاء واكتفينا بالحديث والاطمئنان بالتليفون. وفي هذه الاثناء شعرت ان الحب قد اضفى بلمساته السحرية علي قسماتي وملامحي فعلا وجهي اشراقا وتميزا واصبح لعيناي سحرا وبريقا فاتنا فما كادت تمر الايام حتى افاجأ بالمعحبين الراغبين في نيل ودي .... يالسذاجتهم انهم لا يعلمون ان قلبي لم يكن ملكي وأن طلبهم لن يكون ابدا محل تفكير من عقلي...... فكلما مرت الايام زاد ولعي وشوقي وتمنيت لو املك الة للزمن فأتخطى بها سنين البعاد وأظل اعيد واعيد في لحظة لقاء اتخيلها كثيرا بعد طول انتظار... لحظة لم أجد في دواوين الشعر وبلاغة الشعراء ما يسمو لوصفها كما أتخيلها।
****************
استغرقتني الذكريات وانا اتابع قرص الشمس حتي رحلت وتوارت اشعتها وراء الافق معلنة انتهاء ذلك النهار الطويل وفي دقائق قصيرة انهزم نور الغسق امام الظلام المداهم فانحنى هاربا ولحق بالشمس التي غابت ... ما اجمله من مشهد وما اقصرها لحظات الغروب. يبدو ان كل شيء جميل مصيره الي زوال ما اقسي الحياة وما اشد سذاجتي حين ظننتها مفروشة بالورود لكنها للاسف الشديد ليست سوى سلسلة من الاحداث القاسية تنزل مثل اوراق الشجر عندما يحل الخريف... سالت دموعي التي طالما حبستها وشعرت بحرارتها على خدي وانا اتذكر حديثنا الاخير عبر الهاتف ..... كم كانت السعادة تملأ مفرداته بعد ان حقق ما وعد به ابي وقد حان اخيرا موعد اللقاء الذي طالما حلمنا به سويا وانتظرناه لعامين بنفاد صبر . سيأتي في ذات القطار الذي شهد اول لقاء لنا .... ليتني استطيع الذهاب لاستقباله ولكنها تعليمات والدي .... لا يهم انها مجرد ساعات قليلة ويصل فارس احلامي حاملا معه شهادة التخرج التي تثبت انه رجل قادر على الوفاء بكلمته لقد تخرج بتفوق كما وعد ... الان يستطيع ان يضع يده في يد والدي دون تردد او خوف نعم هو لا يملك المال ولكنه يملك العزيمة والإصرار وسنبني بيتنا بالحب ونظلله بالسعادة لن يقف أمام طموحنا أي عائق إنها حياتنا التي اخترناها معا وسنتخطى سويا أي صعاب ولن يفرقنا سوى الموت. ولكن مالها الساعات تمضي بطئية وكأنها تحمل بين طياتها اثقالا تنوء بحملها الجبال تعيق حركتها وتكبل عقارب دقائقها وثوانيها.. أكاد احترق شوقا في انتظار اللقاء وهاهي الساعات تمر دون وصوله وبدأ القلق والترقب من الجميع وما من وسيلة اتصال تهدئ من روعي وتزيل ذاك التوتر الذي خيم على قلبي الذي تعب من سباقه واوشك على التوقف من فرط القلق والخوف ..... لابد ان مكروها ما قد حدث لقد تجاوز موعد الوصول بساعات هكذا قالت والدتي وهذا اخر ماسمعت قبل ان تخذلني قدماي ويتخلى عني قلبي المرهق. للحظات قصيرة خيم الصمت علي كل ماحولي واحاط بي الظلام من كل اتجاه تذكرت اني غفلت شيئا واحدا يستطيع ان يفرق بين المرء ومن يحب نعم انه ذلك الاسم الذي يقترن دوما بالحزن والشجن انه مزيج قاسي من الالم يحفر علي القلب باللون الاسود ليبدد صفاء حياتنا البيضاء انه ذلك القادم الغاشم الذي لامفر منه والذي يقترن بنا منذ حداثة لقائنا بالحياة فيصيبنا بالرهبة والخوف من الايام ويكون عزائنا الوحيد للتغلب علي ما يسببه من اسى هو النسيان. افقت بعد ايام وقد ايقنت انه ذهب بلا رجوع॥ لم يحب يوما الوداع....وهاهو يتركني فريسة لليأس وللذكريات تنهل من نزف قلبي الملتاع من الم الفراق। كم رجوت الموت مرارا وتكرارا ليخلصني من العذاب لكنه ابدا ما أجاب... وهاهي الايام تمر يراودني النسيان حيناَ فأحيا دون حياة وتغمرني الاحلام احيان اخرى فاطلق لخيالي العنان واهرب من عقلي لأظل معه في عالمي الخاص. تمت

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS